بدرية

مما يدعو أي مؤسسة للفخر أن تجد أن مجهودها ومجهود العاملين بها والقائمين عليها قد ترجم إلى تغيير كبير وسعادة بالغة في وجوه كل من سعت المؤسسة إلى خدمتهم وتغيير حياتهم للأفضل ,وزيادة وعيهم بكل ما يخص أنفسهم وأولادهم وتعاملهم مع الأخرين في المجتمع.

لذا كانت بدرية هي إحدى تلك الوجوه التي بمجرد النظر إليها تشعر بالارتياح, إنسانة بشوشة يمكنك أن ترى في وجهها ملامح المرأة المصرية الأصيلة, تدل سمرة بشرتها وعيونها البنية وكلامها العذب المصحوب بابتسامة رقيقة على طيبة قلبها وحبها الذي يفيض منها ليغمر الجميع بالسعادة والفرحة, تلك الابتسامة تلمع وسط عدة تجاعيد يدل كل منها على ما عانته تلك المرأة خلال رحلتها الحياتية.

نشأت بدرية في بلدة تدعى “ديروط المحطة” التابعة لمحافظة أسيوط, وعلى الرغم من قدرة والدها المادية على تعليمها وعلى الرغم من أنه كان متعلم وأن إخوانها الذكور قد سُمح لهم بالحصول على الشهادات إلا أنها وأخواتها من الإناث لم يسمح لهم بالتعلم, ولم يكن لديهم الفرصة لينهلوا من العلم ما يمّكنهم من أبسط أمور القراءة والكتابة, الأمر الذي لم يكن يهم بدرية في البداية أثناء تواجدها في أسيوط, ولكن عند زواجها من القس هرمينا ويصا بوكتر وانتقالها معه لكي يكملوا حياتهم في القاهرة, بدأت تشعر أنها أقل من غيرها, تقول بدرية: “لما جيت هنا وعشت في القاهرة حسيت بالظلم”.

ظلت أمية بدرية وعدم قدرتها على القراءة من أكثر الأمور التي تعكر صفو حياتها, فقد أبدت غضبها الشديد من منعها من استكمال تعليمها وإخراجها منه بعد أن أكملت العام الأول الابتدائي. فقد كانت تتمنى أن يكون لديها القدرة على قراءة لافتات الطرق وأرقام الأتوبيسات وعنواين إخواتها وأخواتها. كما أنها كانت تتمنى أن يكون لديها أفكار في القضايا التي تخص المجتمع. على الرغم من ذلك ذكرت بدرية بكلامها العذب النابع من القلب أنها على الرغم من جهلها إلا أن الله قد منحها بصيرة واسعة تستطيع بها أن تفهم ما لا تستطيع فهمه من الجرائد والكتب.

علمت بدرية بشأن المؤسسة من خلال صديقة لها تدعى مريم, حيث دعتها صديقتها لحضور ندوة تحرص المؤسسة على تنظيمها في شهر رمضان من كل عام. فوافقت بدرية على الحضور وقد كانت هذه –على حد تعبيرها- نقلة كبيرة في حياتها. حيث تقول بدرية أنها أحبت المكان بمجرد دخوله إلى الحد الذي جعلها تقرر الانضمام إليها لكي تصبح ضمن أعضاء مؤسسة قوس قزح.

تقول بدرية أن قوس قزح أصبح ملجأ لها من الشعور بالوحدة والإصابة بالاكتئاب خاصة بعد وفاة زوجها واضطرارها إلى العيش بمفردها حيث أنها لم ترزق بأولاد. وتضيف بدرية: “أنا هنا ليا صحاب وعلى الرغم من الظروف الصحية اللي عندي بعرف أضحك من قلبي لما باجي هنا, وبنسى كل حاجة”.

تحرص بدرية على القدوم إلى معهد الدمبوسكو في يوم الجمعة من كل أسبوع, كما أنها تحرص بشدة على حضور جميع المحاضرات, وتقول أنها استفادت الكثير والكثير من المحاضرين. ذكرت بدرية أنها كانت في غاية السعادة عند حضورها محاضرات مع طبيب يدعى نادر, وكانت تلك المحاضرات تدور حول العناية بالصحة, الأمر الذي يهم بدرية بشكل كبير لكونها تعاني من مرض الأنميا, لذا فقد استفادت الكثير من تلك المحاضرات وتعرفت على العديد من المعلومات الصحية والإرشادات الطبية التي تمكنها من العناية والمحافظة على صحتها بالشكل السليم.

أضافت بدرية أيضاً أنها تعلمت بالمؤسسة ألا تصدر أحكام على الأشخاص لمجرد اختلاف أرائهم عن أرائها بل تحاول أن تصل إلى نقطة تجمع بينهما وتقول: “الانعزال هو السبب في كل الخلافات, لازم نقعد مع بعض علشان نفهم بعض أكتر وأنا بصراحة اتعلمت هنا أحب الآخر مهما كان مختلف عني”. بهذه الكلمات البسيطة على الرغم من العمق الكامن في معانيها أنهت بدرية كلامها متمنية أن يسود الخير ويعم السلام.